قَدْ شغلَ النَّاسَ كثرَةُ الأملِ وأنتَ بالمكرُماتِ في شُغُلِ
تمثَّلُوا حاتِماً ولو عَقَلُوا لَكُنتَ في الجُودِ غايَةَ المَثَلِ
أهلاً وسهلاً بِما بعَثتَ بهِ إيهاً أبا قاسِمٍ وبالرُّسُلِ
هديَّةٌ ما رأيتُ مُهديَها إلا رأيتُ العِبَادَ في رَجُلِ
أقلُّ ما في أقلّهَا سمكٌ يَسبَحُ في بِرْكةٍ مِن العَسَلِ
كَيفَ أكَافي على أجلِّ يَدٍ مَنْ لا يَرَى أنَّها يَدٌ قِبَلي
وفي مديح محمد بن زريق الطرسوسي يقول أبو الطيب المتنبي:
مُحمَّد بن زُرَيْقٍ ما نَرَى أحَدا، إذا فقدناكَ يُعطي قَبلَ أن يَعِدَا
وقَد قصدتُكَ والتِّرْحالُ مُقترِبٌ والدَّارُ شاسِعَةٌ والزَّادُ قد نَفِدَا
فَخَلِّ كفَّكَ تَهْمي واثنِ وابِلَها، إذا اكْتَفَيْتُ وإلا أغرقَ البلدَا
كما قال المتنبي يمدح عبد الله بن يحيى البحتري:
نَجا امرؤٌ يا ابنَ يحيَى كنتَ بُغيَتَهُ وخابَ ركبُ رِكابٍ لم يؤمُّوكَا
أحييتَ للشُّعَراءِ الشِّعر فامْتَدَحوا جَميعَ مَنْ مَدَحوهُ بالذي فيكَا
وعَلَّمُوا النَّاسَ مِنكَ المجدَ واقتدروا على دَقيقِ المَعاني مِنْ مَعانِيكَا
فكُنْ كَما شِئتَ يا مَنْ لا شَبيهَ لَهُ وكيفَ شئتَ فما خَلقٌ يُدانيكَا
شُكرُ العُفاةِ لِما أوليتَ أوجدَني إلى نَداكَ طَريقَ العُرْفِ مَسْلُوكَا
وعُظْمُ قَدرِكَ في الآفاقِ أوهمَن أنّي بِقِلَّةِ ما أثْنَيتُ أهْجُوكَا
كَفَى بأنَّكَ مِنْ قَحطانَ في شَرفٍ وإنْ فخرْتَ فكُلٌّ مِنْ مَواليكَا
وقال المتنبي يمدح البحتري أيضاً:
ما الشَّوقُ مُقتَنِعاً منِّي بِذا الكَمَدِ حتَّى أكونَ بِلا قَلبٍ ولا كَبِدِ
ولا الدِّيارُ التي كانَ الحَبيبُ بهَا تَشكُو إليَّ ولا أشكُو إلى أحَدِ
ما زالَ كُلّ هَزيمِ الوَدْقِ يُنحِلُها والسَّقمُ يُنحِلُني حتَّى حَكتْ جَسَدي
وكلَّما فَاضَ دَمعِي غَاضَ مُصْطَبري كأنَّ ما سَالَ من جَفنيّ مِن جَلَدي
فأينَ من زفراتي مَنْ كَلِفْتُ بهِ وأينَ مِنكَ ابنَ يحيَى صَولَةُ الأسَدِ
لمَّا وزَنْتُ بكَ الدُّنيا فَمِلتَ بها وبالورى قَلَّ عِندي كثرَةُ العَدَدِ
ما دارَ في خَلَدِ الأيَّامِ لِي فرحٌ أبا عُبادَةَ حتى دُرتَ في خَلَدي
مَلْكٌ إذا امْتَلأتْ مالاً خزائِنُهُ أذاقهَا طعمَ ثُكْلِ الأمّ للوَلَدِ
ماضي الجَنانِ يُريهِ الحَزْمُ قَبلَ غَدٍ بقَلبِهِ ما ترَى عَيناهُ بعدَ غَدِ
ما ذا البهاءُ ولا ذا النُّورُ من بشَرٍ ولا السَّماحُ الذي فيهِ سَماحُ يَدِ
أيُّ الأكُفِّ تُباري الغيثَ ما اتّفَقَا حتى إذا افْتَرَقَا عادَتْ ولمْ يعدِ
قد كنتُ أحسبُ أنَّ المَجدَ من مُضَرٍ حتى تَبَحْتَرَ فَهوَ اليومَ مِن أُدَدِ
قَوْمٌ إذا أمْطَرَتْ مَوْتاً سيوفُهمُ حَسِبْتَها سحباً جادَتْ على بَلَدِ
لم أُجْرِ غايَةَ فكري منكَ في صِفَةٍ إلا وجَدْتُ مداها غايةَ الأبدِ