لم يبقَ إلا أن يلمس المرء العين كما هي على الورق، وأن يبلغ مداها ويبحر
في ألوانٍ
حقيقيةٍ على الورق، إذ أن الشعر العربي حمل أجمل تجليات العيون وترجم كل تفاصيلها،
وقرأ وَقْعها، لكن ليس بلغة العلم بل بلغة المجاز والرمز والتصوير.
فالعيون شكلت منذ القديم وحياً يلهم الشاعر عذب الصور، ويدخله في معترك السحر والهيام،
ومع تطور المجتمعات وتغير معطيات العصر، لم يتخلَّ شعراء العصر الحديث عن شعر عن جمال
العيون وسحرها ووصفًا دقيقًا للعيون الجميلة ووقعها بكلمات وأبيات شعرية رائعة.
لكن أكثرهم دخل في عوالمٍ أعمق من الظاهر، فلم تعد العيون تُتَرجم فقط لحظاً
أو رمشاً ولوناً، إنما أصبحت عالماً يدل الشاعر على ذاته ووجوده، فيصور
ما لا يراه الناس و يقرأ ما هو أعمق من الظاهر.
شعر عن جمال العيون وسحرها
تنوعت أوصاف العيون في الشعر العربي، إذ لم يقف الأمر فقط على حالة
الشاعر أو طريقته في الوصف، إنما لكل عين نظراتها وأهدابها التي تختلف عن الأخرى.
فتنوعت أوصاف العيون في اللغة العربية وبدورها تنوعت في الشعر العربي،
جاء التنوع وفقاً للون العين واتساعها و ما تتركه من وقعٍ في النفوس، فالعيون
السوداء تختلف عن العيون الزرقاء أو الحوراء…الخ، ومن أشهر الصفات الجميلة
للعيون والتي تغنى بها الشعراء:
1- شعر عن العيون الفاترة
الفتور، هو الذبول والانكسار في العيون، وغالباً ما يكون من أصل الخُلقة،
وكثيراً ما وصف الشعراء ذلك بالمرض
والسقم:
(ليس القصد المرض والسقم وإنما مقاربة للذبول في العين، كأنها
عين سقيمٍ، والقصد ما تظهره العين من غنجٍ في النظر).
من أشهر ما قاله الشعراء عن العيون الفاترة:
يزيد بن معاوية يجيب نداء العيون الفاترة
وصف يزيد بن معاوية (وهو أحد الخلفاء الأمويين) جاريته التي تملك عينين فاترتين سحرتاه بغنجهما،
فقال:
على أني أجيب إذا دعتني … ذوات الدلِّ والحدق المراض
(الحدق المرض، مجاز للعيون الذابلة والفاترة).
الفتور والذبول نوعٌ من الغنج والدلال
وصف الشاعر ابن الرومي فتور العيون بأنه ضربٌ من الغنج والدلال، فقال:
يسبي العقول بمقلةٍ مكحولةٍ … بفتور غنجٍ لا فتور نعاس
شعر أحمد شوقي عن العيون الفاترة
لم يجد الشاعر المصري أحمد شوقي ما يشكو له تعب
الشوق والحب، إلا عيون المحبوبة ذاتها، فجعل العيون الذابلة الفاترة قصده وملجأه، فقال:
أداري العيون الفواتر ساجيا … وأشكو لها كيد إنسانها ليا
(ساجياً من سجا أي سكن).
2- شعر عن العيون الكحيلة
وهي العيون التي تبدو كأن المرود قد مسها بالكحل، بيد أن جفونها تبدو سوداء
من غير كحل، و يكون ذلك من أصل الخلقة ودون تكلف، وهو ما تغنى به
الشعراء.
فالعيون الكحلاء فتنت عيون الناظرين، حتى احتلت مكانتها بين العيون
الجميلة فوصفها وتغنى بها الشعراء، ومن أجمل ما قاله الشعراء عن العيون الكحيلة:
أبيات شعر عن كحل العيون
يرى الشاعر المصري محمد بن سعيد البوصيري؛ أن جمال العيون الكحيلة هو ما أتى
على الطبيعة، دون أن يمسها الكحل، كما هو الحال في عيون الغزلان، فقال:
لا تحسبوا كحل الجفون بزينةٍ … إن المها لم تكحل بالإثمد
(الإثمد هو المرود أو المكحل، الذي يستخدم في تكحيل العيون).
ويؤكد ذلك ما قاله الشاعر ابن هانئ الأندلسي، واصفاً أن سحر عيون محبوبته
وما يبدو فيها من كحل أبهر الناظرين، إنما هو من خلق الله ولم يمسه كحل،
فقال:
حسبوا التّكحل في جفونك حليةً … تالله ما بأكفهم كحلوك
غزل العيون شعر شعبي
أقرب مقلات فى الغزل الصريح